انطلق هذا الكتاب من اختبار قاعدة مقاصدية جليلة قررها فقهاء المسلمين منذ القديم، ومفادُها أن الكليات الخمس الضرورية مراعاة في كل شريعة، مثيرا لإشكال الحوار والتعاون بين أهل الشرائع الكتابية بناء على المشترك المراعى في هذه الملل، مفترضا أن هناك اتفاقا بينها، على أغلب الأحكام والتعاليم الراجعة إلى حفظ هذه المصالح الضرورية الخادمة لنظامنا الإنساني فوق الأرض، وقد خاض الباحث في تفكيك الموضوع وتركيبه مبتدئا بتأصيل المشترك الفطري بين بني الإنسان عموما، والذي يشكل الدينُ شطرَه الأكبر، فالإنسان كائنٌ عاقلٌ متدين، ومن ثم تمهد المدخل للبحث في المشترك بين الشرائع الكتابية الثلاث: اليهودية والنصرانية والإسلام، وبعد إجالة النظر في النصوص المصدرية واستقراء تفسيراتها المشهورة، تحصل من ذلك أن رسالتَها واحدةٌ من حيث أصولُ الاعتقاد، ومن حيثُ أصولُ شرائعها ومقاصدها مع ثبوت تنوع واختلاف أحكامها الجزئية، حسب السياقات الثقافية والمجتمعية لكل مرحلة تاريخية، ولكل مجتمع على حدة، ومما تبين بعد العرض والمقابلة والمقارنة، صحة القاعدة السالفة التي هي منطلق البحث، ذلك أن جميع هذه الشرائع جاءت بأحكام وتعاليم ووصايا وعهود، مفضية كلها إلى حفظ الضروريات الخمس للنظام الإنساني من دين ونفس وعقل ونسل ومال، مما يمهد لأرضية صلبة لقيام حوار بين أهل الشرائع السماوية على أساس استثمار هذا المشترك الديني بما يخدم مصالح الإنسانية جمعاء. وتطبيقا لما تأصل في فصول البحث أورد الكاتب على سبيل المثال، لا الحصر، بعض القضايا المشتركة التي يمكن أن تكون موضوعا للتعاون بين أهل الشرائع الكتابية كحفظ المنظومة الأخلاقية والقيمية، والسلم والأسرة والتعددية الدينية والثقافية، وإنقاذ النظام البيئي …كل هذا لحفظ النظام الإنساني الذي نعيش في كنفه، وتحقيق السعادة المرغوب فيها حسب تصور كل شريعة، مع التعاون في تنزيل الأصول والقيم والمقاصد المشتركة الكبرى.