في إطار رسالتها الفكرية والإنسانية الهادفة إلى ترسيخ قيم المواطنة والوعي الوطني ومواجهة التيارات الفكرية المتطرفة بمنهجٍ علميٍّ رصين، نظّمت جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية ندوة فكرية جديدة ضمن برنامجها الثقافي الدوري “صالون بيت الحكمة” بعنوان «الوطن وتنظيم الإخوان»، قدّمها الكاتب والباحث عبدالله بن بجاد العتيبي، بحضور الدكتور خليفة مبارك الظاهري، مدير الجامعة، وعدد من المفكرين والباحثين والأكاديميين والطلبة والمهتمين بالشأن الفكري والديني. وأكّدت الندوة أن وعي القيادة الرشيدة لدولة الإمارات ومنابرها الفكرية المستنيرة شكّلا جدار الوعي الذي أسقط أقنعة جماعة الإخوان وكشف زيف شعاراتهم الهدّامة، بعدما سعوا إلى توظيف الدين ستارًا لأطماعهم السياسية ومطيةً لمشاريعهم الهدامة. وكشفت الندوة أن ثورات ما سُمّي بالربيع العربي كانت اختبارًا قاسيًا لوعي الشعوب، أظهر بوضوح تعطّش جماعة الإخوان إلى خراب الأوطان وسقوط الدول، وفضح زيف شعاراتهم وأوهام التغيير التي تلطّت بالدين لتبرير الفوضى وإشعال الصراعات وتناولت الندوة بأسلوبٍ تحليلي عميق مسار تنظيم الإخوان منذ نشأته، وكيف تحوّل من حركة دينية دعوية إلى مشروعٍ سياسي يُقدّس التنظيم على حساب الوطن، ويُعيد صياغة الولاء والانتماء وفق منطق الجماعة لا الدولة، والحزب لا الأمة.
نظريات التشكيك والمؤامرة
أوضح الكاتب والباحث عبدالله بن بجاد العتيبي أن هذا الفكر مثّل انحرافًا عن جوهر الإسلام الوسطي، بعدما جرى تسخير الدين لخدمة الأهداف الحزبية، وتحويله من رسالةٍ جامعة إلى منصة للفرقة والتنازع. وأضاف أن الجماعة اعتمدت منذ نشأتها على أفكار هدامة أبرزها التشكيك والتخوين وبثّ نظريات المؤامرة، وهي أدوات تهدف إلى تفكيك الثقة بين المواطن ومؤسساته وخلق بيئة فكرية مهيأة للفوضى. كما سلّط المحاضر الضوء على مخاطر تسييس الدين باعتبارها أخطر أشكال الانحراف الفكري في العصر الحديث، حيث تُستغل المشاعر الدينية لبناء الولاءات الحزبية وتبرير العنف باسم العقيدة وهو ما يهدد جوهر الإيمان لأنه يُفرّغ الدين من معناه الروحي والأخلاقي ويُخضعه لمصالح التنظيمات، ما يؤدي إلى تشويه صورة الإسلام داخليًا وخارجيًا، وإلى تمزيق وحدة الأمة وإضعاف الدولة الوطنية. وأشار العتيبي إلى أن هذه الظاهرة لا تفرز سوى التطرف وتعطيل التنمية وتقويض الثقة بين الشعوب ومؤسساتها، إذ يتحوّل الدين إلى مادةٍ للمزايدة السياسية بدلًا من كونه مرجعًا للقيم الجامعة والرحمة الإنسانية.
“قبيلتي إماراتي”
توقف العتيبي عند مفهوم الوطن في الإسلام، مؤكدًا أن الانتماء للأرض وللمجتمع ركن من أركان الفطرة التي عززها الدين الحنيف حتى وإن لم يرد لفظ “الوطن” صراحةً في القرآن الكريم، إلا أن معناه ورد بقوة في الآيات والمقاصد. واستشهد بحديث النبي عليه الصلاة والسلام: “اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة”.كما استشهد المحاضر بكلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، حين قال:”قبيلتي إماراتي”، ووصفها العتيبي بأنها جملة بحجم وطن ومفتاح فلسفي لمعنى الانتماء والولاء الحقيقي، وأنها تختصر رؤية وطنية تُعلي من شأن الدولة والهوية الجامعة فوق أي انتماءٍ آخر.
التاريخ الأسود للجماعة
واستعرض العتيبي تاريخ الجماعة الأسود وسلوكها السياسي في مصر، من جرائم الاغتيالات والتي يعد من أبرزها قتل رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي على يد عبد المجيد أحمد حسن، عضو التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين عام 1948 وأيضا اغتيال المستشار أحمد الخازندار وكيل محكمة الاستئناف الأسبق، على يد عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، نظرا لكونه كان ينظر في قضية أدين فيها أعضاء فى تنظيم الإخوان المسلمين، إلى جانب محاولاتها التمدد في دول الخليج في ستينيات القرن الماضي. وأشار إلى موقف الملك عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية – رحمه الله – الرافض لفتح فرعٍ للتنظيم في السعودية، قائلاً: “نحن أمة واحدة وديننا واحد، فلماذا تفرّقون الناس؟”، كما لفت إلى وعي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي انتبه مبكرًا إلى خطورة الجماعة على السلم والأمن، وقال عنهم: “هؤلاء ما تسميهم مسلمين؟ هؤلاء فسقة فجرة، يحملون السلاح ويهددون السلم والأمن”.
مواجهة الإمارات لفكر الإخوان
وأوضح العتيبي أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله أدرك مبكرًا خطورة الفكر الإخواني، فواجهه بشجاعةٍ ورؤيةٍ استراتيجية واعية قائمة على الإصلاح التعليمي وتنقية المناهج وترسيخ الوسطية والتسامح في المجتمع الإماراتي. من جانبه، أكد سعادة الدكتور خليفة مبارك الظاهري، مدير الجامعة، في مداخلته خلال الندوة أن الدور الأكاديمي في مواجهة الفكر المنحرف جوهري وأساسي، داعيًا إلى إطلاق برامج بحثية وجامعية متخصصة تدرس فكر الجماعات المؤدلجة وتوثّق أثرها على الأمن الفكري والمجتمعي وأشار الظاهري إلى أن ما سُمّي بثورات «الربيع العربي» لم يكن سوى اختبارٍ قاسٍ لوعي الشعوب، كشف بوضوح تعطش جماعة الإخوان المسلمين إلى خراب الأوطان وسقوط الدول، وكيف لبّست أفعالها ثوب الدين لتبرير الفوضى وإشعال الصراعات، مؤكدًا أن الإسلام بريء من فكرهم وممارساتهم، كما هو بريء من كل من يجعل من الدين مطيّةً للسلطة أو أداةً للهدم. وأضاف أن الجامعات والمؤسسات الفكرية تتحمّل مسؤولية كبرى في بناء الوعي الجمعي، لأن المعرفة المستنيرة هي خط الدفاع الأول ضد التيارات الهدّامة، والعقل الواعي هو الحصن الأمتن في وجه الفوضى الفكرية والسياسية.
صناعة الوعي الفكري
تأتي هذه الندوة ضمن سلسلة فعاليات صالون بيت الحكمة الذي أطلقته الجامعة ليكون منبرًا للحوار المسؤول ومختبرًا لصناعة الوعي الفكري والوطني، ومنصةً لمناقشة القضايا التي تمس الأمن الفكري والهوية الثقافية في العالمين العربي والإسلامي. ويهدف الصالون إلى ترسيخ قيم الحكمة والعقلانية والولاء للوطن، وإحياء الفكر النقدي المتزن القادر على التمييز بين الدين كقيمةٍ روحيةٍ وإنسانيةٍ عليا، وبين محاولات استغلاله في صراعات المصالح والتسلّط باسم الإيمان. واختُتمت الندوة بالتأكيد على أن حماية الدين لا تنفصل عن حماية الوطن، وأن الفكر المستنير والوعي العميق هما السلاح الأشد في مواجهة التطرف والانقسام. فالوعي هو القوة التي تحرس الضمير الجمعي، والعقل المستنير هو جيش الأوطان الأول، والمعرفة درعها الأمتن، والإخلاص للوطن تاجها الأبقى. وقد أكد الأساتذة والطلبة الحاضرون أن التجربة الإماراتية تمثل اليوم أنقى صور وحدة الإيمان والانتماء، ونموذجًا حضاريًا في مواجهة الفكر المتطرف بالعقل والعلم والفهم الواعي، وفي بناء دولةٍ جعلت من التسامح والعقلانية والانفتاح نهجًا وهويةً ورسالةً إنسانية خالدة تُضيء حاضر الأمة ومستقبلها.