تكتسي الموضوعات عندما يتم دراستها بمنهجية النظريات انسيابيةً؛ مثل موضوع الرحمة الذي تم إثبات بنيويته الفيسيولوجية عن طريق علم الجينوم؛ بالإضافة إلى الإفرازات التراثية من خلال دلالات النصوص المقدسة في جميع الديانات وسائر التشريعات الوضعية، غير أن الموضوع كانت تكتنفه كومة من الجدليات الفلسفية والواقعية حتى أصبحت معالمه مكدَّرة جراء الفهم العقيم أو تبني الأفكار الهدامة المخالفة للتراحم. ويهدف هذا البحث إلى إقامة الحجج العقلية والتاريخية والدينية والعلمية لإثبات بنيوية الرحمة في الأصل التكويني للإنسان، وأن الوجود كله مرتبط بالتناغم التراحمي بين مكوناته، وأن الخالق سبحانه لم يَخلقْ ليُعذِّب، وأن وجود جملة من الممحِّصات أو الابتلاءات في الدنيا فذلك راجع لسنة الله المُنطوية هي كذلك على الرحمة خلافًا لبعض التوجّهات الأيديولوجية المنطلقة من اجتزاء النصوص التراثية الدالة على المعاداة والتهلكة ثم بناء سلوك التنقيط من رحمة الله على ذلك الفهم المُعْوَجّ. وكان من بين نتائج البحث أن الرحمة تتعلق بالرحِم المشتملة على جينات التراحم وتتشكل ميتافيزيقياتها برحمة الله التي تغلب غضبَه. كما تفيض النصوص المقدسة في كل الديانات بدلالات الرحمة والمرحمة والتعاطف والتعايش بين الخلق. وأنه يجب النظر إلى القرآن بأنه كتاب كريم من ربٍّ رحيم وأنه نزل ليشرع الرحمة ويكرس تعايش الخلق وأن أي دلالة يتخذها المتشددون خلافا للتراحم فإنما ذلك ضرب من التأويل الخاطئ أو البتر من سياقٍ له عللُه وملابساتُه.

